التخطي إلى المحتوى

تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمواصلة سياسة تقييد منح التأشيرات لمواطني البلدان المغاربية، إذا لم تتعاون هذه الأخيرة مع بلاده بشأن إعادة رعاياها المقيمين بشكل غير قانوني في فرنسا.

وأضاف ماكرون خلال حديثه عن ملف الهجرة خلال مقابلة تلفزيونية، الخميس، أن الأزمة التي مرت بها علاقات باريس مع تونس والمغرب والجزائر، بخصوص موضوع التأشيرات، مردّها عدم تعاونها في موضوع ترحيل رعاياها، كاشفا: أطلقنا حوارا قويا مع هذه البلدان، وقلنا لهم “إذا لم تستعيدوا الأشخاص الذين طُلب منهم مغادرة التراب الفرنسي، سنقيد منح التأشيرات”، وهو الإجراء الذي اعتمدته باريس.

وقلصت السلطات الفرنسية، منذ نهاية العام الماضي عدد تأشيرات “شنغن” الممنوحة لمواطني المغرب الكبير، بنسبة تصل إلى النصف للمغاربة والجزائريين و30 بالمئة للتونسيين، مبررة خطوتها بما وصفته “محدودية”

وأبرز الرئيس الفرنسي في مقابلته مع قناة “فرانس 2، “نجاح سياسة التأشيرات”، مشيرا إلى أنها ساعدت سلطات بلاده في إعادة 3 آلاف شخص إلى بلدانهم خلال عامين، وأكد الاستمرار في نفس المسار، قائلا: “سنشدد عمليات الطرد لتشمل 100 بالمئة من كل الأشخاص غير القانونيين والمخلين بالنظام العام”.

وتواجه البلدان الأوروبية، خاصة فرنسا، صعوبات في إعادة المهاجرين غير النظاميين إلى دول الجزائر والمغرب وتونس، مع رفض هذه البلدان الإجراءات المعتمدة في عمليات الترحيل، ما دفع ماكرون إلى التلويح بربط المساعدات التنموية الموجهة لها بسياسات الهجرة، كورقة ضغط أخرى بجانب تقييد التأشيرات.

وترى الحكومة الفرنسية أن مواقف الدول الثلاث “تبطئ فعالية” عمليات الترحيل من التراب الفرنسي عند صدور قرارات في هذا الصدد، من خلال عدم إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة رعاياها. 

وفيما أعادت السلطات الفرنسية العمل بالنسق الطبيعي في إصدار التأشيرات للمواطنين التونسيين، حسب إعلان مشترك بداية سبتمبر الماضي، وعدت باريس الجزائر برفع عدد الطلبات المقبولة، خلال الزيارة الأخيرة للرئيس إيمانويل ماكرون غير أن قرارات التقليص ما تزال سارية إلى اليوم، فيما لا تلوح في الأفق، بوادر قرارات جديدة تخص المغرب.

“أخطاء فرنسية”

مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، خالد الشرقاوي السموني، يرى أن مشكلة تقليص التأشيرات، لا يرتبط أساسا بالإجراءات القنصلية لعمليات الترحيل، بل بـ”أسباب سياسية، في ظل تباين وجهات النظر بين المغرب وفرنسا على مستوى عدد من القضايا، مؤكدا أن الرباط لطالما كانت متعاونة فيما يتعلق بترحيل المهاجرين غير النظاميين .

ويلفت الخبير المغربي في تصريح للحرة، إلى أن المشكل المطروح على مستوى عمليات الترحيل، “يتعلق بالقاصرين غير المرفقين، لأنه يطرح مشاكل عديدة للسلطات المغربية، مثل تحديد هوية الطفل ومكان تواجد أسرته وغيرها من الإجراءات التي ينبغي ضبطها قبل قبول تسلمه”.

وفي رد سابق، على الخطوة الفرنسية بخفض التأشيرات، قال وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، إن القرار “غير مبرر لمجموعة أسباب، بينها أن المغرب كان دائما يتعامل مع مسألة الهجرة من منطق المسؤولية”، مؤكدا أن ” المملكة ستبحث القضية مع باريس”.
وبعد مرور أزيد من سنة على دخول القرار الفرنسي حيز التنفيذ، لا يبدو أن المباحثات بين البلدين أثمرت عن جديد، حيث تمر العلاقات المغربية الفرنسية من “برود دبلوماسي” منذ أشهر، بسبب موضوع التأشيرات وملفات أخرى.

في هذا الجانب، يقول الشرقاوي إن الأزمة الحالية تسببت فيها “سياسات ماكرون وأخطاء الحكومة الفرنسية” في تدبير مجموعة من القضايا، من بينها الهجرة والتأشيرات، مشيرا إلى أن “تقليص التأشير أمر غير مقبول من بلد تربطه علاقات قوية وأخوية واستراتيجية بالرباط”.

غير أن المتحدث ذاته، يبرز بالمقابل أن التوتر الحالي لا يعدو أن يكون “سحابة صيف عابرة”، على اعتبار أن علاقات الرباط وباريس “قوية ومتجذرة في التاريخ وتجمعهما مصالح مشتركة”، مستبعدا أن تتطور الخلافات بين البلدين.

“وعود وتواطؤ”

وبالجزائر، رغم وعود المسؤولين الفرنسيين خلال زياراتهم الأخيرة بمراجعة مسألة تقليص التأشير الممنوحة للجزائريين، إلا أن القرار ما يزال ساريا، في وقت ترتفع فيه مطالب للحكومة بالضغط على السلطات الفرنسية للتراجع عن خطوتها التي يتضرر منها المواطنون الجزائريون.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، محمد سي بشير، يتأسف لاستمرار القرار من الجانب الفرنسي، مشيرا إلى أن طالبي التأشيرات ليسوا فقط من الراغبين في الهجرة والاستقرار بفرنسا، بل إن هناك من يسعى للحصول على الفيزا للاعلاج أو قضاء أغراض إدارية أو اقتصادية، ومن يرغب في زيارة أقاربه، وغيرها من الأسباب”.

ويبرز الجامعي الجزائري، أن وعود السلطات الفرنسية بحلحلة المشكل غير مجسدة على أرض الواقع، رافضا المزاعم الفرنسية التي تتحدث عن عدم تعاون بلاده في إصدار تصاريح قنصلية للمهاجرين الذين ترغب فرنسا في ترحيلهم.

وحول ما إن كان استمرار “أزمة التأشيرات” سيؤثر على صفو علاقات باريس والجزائر خلال الآونة الأخيرة، يستبعد سي بشير هذا الأمر، لافتا إلى أن الروابط بين البلدين تحكمها المصالح الاقتصادية والاستراتيجية، أكثر من ملف الهجرة.

من جانبه، يذهب المحلل السياسي، إسماعيل معراف، إلى اعتبار أن الحكومة الجزائرية “متواطئة” في ملف تقليص التأشيرات، مبرزا أن بلاده “لم تكن جدية في مطالبتها السلطات الفرنسية بإلغاء القرار”.

ويورد المحلل الجزائري في تصريح للحرة، أنه لو كانت لسلطات بلاده الرغبة في إنهاء الملف، “لفرضته على فرنسا التي تحتاج إلى الغاز والطاقة في ظل أزمتها الاقتصادية الكبيرة”، مضيفا في نفس السياق: “السلطات الفرنسية فهمت أن الجزائر لا تريد حلا لملف التأشيرات لذلك تواصل فرض سياستها على المواطنين”.

يذكر أن وزارة الخارجية الجزائرية، استدعت السفير الفرنسي في الجزائر للاحتجاج على قرار باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين الجزائريين، عقب صدوره السنة الماضية.

وعبرت الخارجية الجزائرية عن احتجاج رسمي، بعد يوم واحد من إعلان باريس بتشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس، واصفة القرار بأنه “أحادي الجانب من الحكومة الفرنسية وسيؤثر سلبا على سلاسة حركة المواطنين الجزائريين الراغبين في السفر إلى فرنسا”.