رام الله- خلال أسبوعين عقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس سلسلة لقاءات قمة مع قادة تركيا ومصر والأردن، فيما يشارك غدا الاثنين في قمة ثلاثية بمدينة العلمين المصرية مع ملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وتتزامن اللقاءات عالية المستوى مع إعلان المملكة العربية السعودية تعيين سفير لها غير مقيم لدى دولة فلسطين وقنصل عام في القدس، وذلك على وقع تحرك أميركي لتحقيق اختراق في ملف التطبيع بين المملكة وإسرائيل.
والاثنين الماضي، أشار رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في كلمة بمستهل الاجتماع الأسبوعي لحكومته إلى “حراك سياسي مهم في المنطقة”، مضيفا أن “الرئيس محمود عباس يشارك في هذا الحراك بنشاط عالٍ”.
وأعرب اشتية عن ثقته بأن “المملكة العربية السعودية تعتبر أن القضية الفلسطينية محط اهتمامها، وعلى رأس أولوياتها في مداولاتها الإقليمية والدولية”.
“الحراك السياسي المهم” كما وصفه اشتية يثير جملة من التساؤلات، من بينها: هل من مبادرة أو أفق سياسي يتعلق بالقضية الفلسطينية؟ أم أن تلك التحركات تتعلق بدرء مخاطر متوقعة في ظل حكومة إسرائيلية متطرفة؟ أم بالوضع الفلسطيني في ظل محاولات دفع مسار التطبيع بين إسرائيل ودول عربية؟
قمة دورية
ووفق ما صرح به سفير فلسطين لدى مصر دياب اللوح لإذاعة فلسطين الرسمية اليوم الأحد، فإن قمة العملين “دورية” وتحظى “بأهمية كبيرة في التنسيق والتعاون التشاور المستمر بين مصر والأردن وفلسطين”.
وقال اللوح إن القمة تبحث “كل ما له صلة بالشأن الفلسطيني والتطورات الدولية والإقليمية الحاصلة وانعكاساتها على مجمع الأوضاع في المنطقة والشرق الأوسط، خاصة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني”.
وأضاف أن القمة يتخللها “التفكير في وضع إستراتيجية لمواجهة كل التحديات الماثلة أمامنا وما هو قادم أيضا من تطورات، وكيف نتعامل معها بما يخدم ليس فقط القضية الفلسطينية وإنجاز حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، لكن أيضا هموم ومشاغل تتعلق بالأشقاء”.
ووفق السفير الفلسطيني في مصر، فإن عباس “يحمل رسالة الشعب الفلسطيني ومطالبه بإنجاز حقوقه الوطنية الكاملة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي”.
ومنذ عام 2014 لا توجد مفاوضات سياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ولم يفلح اجتماعا العقبة وشرم الشيخ الخماسيان برعاية أميركية في فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين في تحقيق الهدوء توطئة لفتح مسار سياسي.
هل من مبادرات سياسية؟
لا تتعلق التحركات الأخيرة بأي مبادرات سياسية جديدة، وفق ما صرح به للجزيرة نت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف.
وأضاف “لا توجد أي مبادرات حتى الآن، ونؤكد في تحركاتنا على حقوق شعبنا في الحرية والاستقلال استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة”.
وأشار القيادي الفلسطيني إلى “العديد من التغيرات في المنطقة وما يمكن أن يشكل خطرا من حكومة إسرائيلية فاشية لا تمتلك سوى زعزعة الأوضاع وتصدير أزمتها للدول المجاورة والأراضي المحتلة”.
وأضاف أنه خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري ارتقى شهداء أكثر من عام 2022 كاملا “الأمر الذي يستوجب البحث في كيفية الخروج من الصمت الدولي”.
وقال إن “التنسيق الفلسطيني مع مصر والأردن والدول الشقيقية يأتي في إطار التأكيد على حماية القضية والثوابت الفلسطينية”.
أهون الشرور
من جهته، يرى مدير البحوث في المركز الفلسطيني للدراسات والبحوث خليل شاهين أن الجانب الفلسطيني لا يمتلك زمام المبادرة، وأي تحرك له لا بد أن يسند بموقف عربي.
وأضاف شاهين في حديثه للجزيرة نت إلى أن أطراف القمة الثلاثية في مصر هي المشاركة في اجتماعيْ العقبة وشرم الشيخ، والتي وافقت على المقاربة الأمنية لتهدئة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
وأشار إلى عدم التزام إسرائيل بأي جزء يتعلق بالترتيبات الأمينة التي يرى أنها جاءت لخدمتها، وتدفع باتجاه تحويل السلطة إلى مجرد وكيل أمني لها، دون أن تعطي أي شيء.
ووفق شاهين، فإن “الحراك الفلسطيني يريد أن يختار أهون الشرور وهو عدم حدوث تطبيع متسارع يكون على حساب الجانب الفلسطيني، خصوصا أن إسرائيل تريد أن تدخل التطبيع من أوسع باب وهو باب السعودية الذي يفتح لها أبواب مزيد من دول المنطقة والعديد من الدول الإسلامية في حال تحققه”.
وعلى المستوى الداخلي، يقول المحلل الفلسطيني إن لقاء أنقرة بين الرئيس الفلسطيني ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هينة ثم لقاءات الفصائل في القاهرة “أتت بنتيجة صفرية وأعادتنا إلى المربع الأول، وبالتالي لا يُتوقع أي جديد على المدى المنظور”.
بايدن يبحث عن إنجاز
أما المحلل السياسي طلال عوكل فيرى أن محور التحركات السياسية الجارية في المنطقة هو “المحاولات الأميركية لإبرام صفقة تطبيع بين السعودية وإسرائيل”.
وأضاف أن الرئيس الأميركي جو بايدن يحتاج لهذا الإنجاز، فضلا عن محاولته إعادة السعودية إلى الحضن الأميركي بعد أن أعطت إشارات أن لديها خيارات أخرى نحو روسيا والصين ومصالحها الخاصة.
ويوضح المحلل الفلسطيني أن “الجانب الإسرائيلي ليس مستعدا لدفع ثمن التطبيع، وبالتالي فإنه يبدو أن الصفقة ليست قريبة، لأن الشروط السعودية جادة جدا، وأميركا لا تستطيع أن تناقش كثيرا هذه الشروط”.
وتابع عوكل أن السعودية تريد أن تحقق اختراقا تاريخيا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، و”أيضا في ما يتعلق بتنمية القدرات الذاتية والقوة السعودية بحيث تأخذ أبعادا إستراتيجية فوق إقليمية، لأنها قادرة على ذلك”.
ويرى أن السعودية جادة أيضا في موضوع الدولة الفلسطينية وترجمت ذلك أمس السبت بتعيين سفير لدى فلسطين غير مقيم وقنصل في القدس “وتريد أن ترسل رسالة بأنها جادة في موضوع تحقيق اختراق في ما يتعلق بعملية السلام، وأنها تعترف بدولة فلسطين”.
وعن لقاء العلمين، يرى عوكل أنه يستهدف الضغط على الولايات المتحدة من أجل تنفيذ ما اتفق عليه في شرم الشيخ وقبله في العقبة والضغط على إسرائيل لتقديم خطوات مهمة، منها تسهيلات للسلطة، ووقف الاستيطان وتوغلها في المناطق الفلسطينية.
لكنه مع ذلك يستبعد “وجود طبخة سياسية تحدث اختراقا في المنطقة”، ويشير إلى استبعاد موضوع الدولة الفلسطينية من الحكومة وحتى أحزاب المعارضة الإسرائيلية.