التخطي إلى المحتوى

تلقَّف معظم الأطراف اللاعبين على الساحة اللبنانية، بكثير من الاهتمام والمتابعة، البيان الصادر، في الساعات الماضية، عن الاجتماع الثلاثي في نيويورك، بين وزراء خارجية كل من المملكة العربية السعودية فيصل بن فرحان، والولايات المتحدة أنتوني بلينكن، وفرنسا جان إيف لو دريان، لمناقشة الوضع في لبنان.

ولا شك أن الجميع بدأ بقراءة متأنية للبيان الذي ستكون له تداعياته على مجمل الوضع في لبنان. انطلاقاً من أن اللقاء بحدِّ ذاته، فضلاً عن مضمونه اللافت، في هذا الظرف بالذات، يحمل دلالات لا يمكن القفز فوقها وتجاوزها بسهولة، خصوصاً على أبواب استحقاقات أساسية يصفها كثيرون بالمصيرية، بدء من تآكل المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وسط مخاوف جدية من الوقوع في الشغور الرئاسي وما يترتب عليه من تداعيات خطرة.

ويؤكد مدير مركز المشرق للدراسات الاستراتيجية سامي نادر، على أهمية اللقاء الثلاثي “السعودي ـ الأميركي ـ الفرنسي” والبيان الصادر عنه، الذي “حمل في الشكل أولاً، دلالات معبّرة يجب التوقف عندها، إذ تعني أننا في لبنان دخلنا اليوم في مرحلة جديدة تحت رعاية هذا الثلاثي، الذي بات يمسك بالملف اللبناني لجهة أنه الفريق المقابل للطرف الإيراني”.

ويضيف نادر، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “المشهد اليوم بات على الشكل الآتي: الغرب والعرب، أو بمعنى آخر المجتمع الدولي المتمثل بهذه القوى الثلاث التي تعتبر بمثابة عرّابة للمسألة اللبنانية، من جهة، مقابل إمساك إيران بلبنان عبر حزب الله، والنفوذ الذي تمتلكه لناحية السيطرة، وعلى مستوى القرار السياسي وعلى المستوى الأمني”.

ويلفت، إلى أن “هذا التطور مهم من حيث الشكل، لأنه في فترة سابقة كنا إزاء مبادرة فرنسية، وحوار ثنائي إيراني فرنسي. بينما اليوم لم يعد بالإمكان الكلام عن مبادرة فرنسية أصبحت وراءنا، ومن الواضح أن القرار على المستوى الدولي بيد هذا الثلاثي. أما أن يتم التفاوض مع إيران بشأن الملف اللبناني، عبر الفرنسيين أو أي إطار آخر؟ فهذا الأمر ليس واضحاً حتى الآن”.

ويشدد نادر، على أننا “انتقلنا من مرحلة الثنائية الفرنسية ـ الإيرانية وتراجع الاهتمام العربي بالمسألة اللبنانية، إلى مرحلة جديدة مختلفة برعاية هذا الثلاثي، ببُعديه الغربي والعربي، وهذا الأهم والمثير للانتباه. وذلك تبعاً لأنه اتضح للجميع أنه لا يمكن استنهاض الوضع الاقتصادي ومواجهة الأزمة والخروج منها، من دون المملكة العربية السعودية”.

ويوضح، أن “لبنان في عمق الأزمة، وتبيَّن أن لا أحد من المجتمع الدولي سيضع يده في جيبه، كما يقال. لا سيما أن الدول التي تعتبر صديقة للبنان مأزومة بمعظمها. فالعالم بأجمعه يعاني اليوم من مشكلة التضخم، ومعظم الحكومات تعاني من تنامي العجز نتيجة الأزمات المتراكمة، من أزمة كوفيد إلى الحرب الروسية الأوكرانية. بينما دول الخليج تسجِّل فائضاً بسبب ارتفاع أسعار النفط، قدَّرَه صندوق النقد الدولي بـ320 مليار دولار للعام 2020 ـ 2021. بالتالي، لا يمكن عدم التوقف عند شكل هذا اللقاء والحضور السعودي فيه، وعند البعدين العربي والدولي لهذا الثلاثي، وما يعنيه مقابل النفوذ الإيراني في لبنان”.

ويؤكد نادر، أن “مضمون اللقاء الثلاثي لا يقل أهمية عن الشكل، إذ وضع البيان الصادر عنه الإطار الأساسي لمساعدة لبنان، بدءً من تشديده على مسألة السيادة، والدور الحاسم للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي بوصفهما المدافعين الشرعيَّين عن سيادة البلد واستقراره الداخلي، وصولاً إلى التأكيد على ضرورة أن تقوم الحكومة الجديدة، بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي 1559 و1680 و1701 و2650 وغيرها من القرارات الدولية ذات الصلة، بما فيها تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية”.

ويشير، إلى أن “البيان أكد التزام الدول الثلاث واستعدادها للمساعدة عبر صندوق النقد الدولي ولتنفيذ برنامج الإصلاحات الواجبة التحقُّق. بالإضافة إلى تأكيده على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها بما يتماشى مع الدستور، على أن يحرص الرئيس المنتخب على توحيد الشعب اللبناني، وأن يعمل مع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة للتغلب على الأزمة الحالية. مع الإشارة الواضحة إلى مرجعية اتفاق الطائف بمواجهة ما يُطرح من مشاريع لتغيير النظام من مثالثة وغيرها”.

ويبقى السؤال، وفق نادر، “هل يترجم هذا التطور الدولي العربي تجاه لبنان، المتمثل بالثلاثي السعودي ـ الأميركي ـ الفرنسي والبيان الواضح الصادر عنه إثر اجتماعه في نيويورك، إلى انتخاب رئيس جمهورية من ضمن هذا الإطار لتبدأ معه مرحلة الإنقاذ؟”.

ويعتبر، أن “الإجابة على هذا السؤال تبقى رهن الأسابيع المقبلة. لكن بالتأكيد، هذا التطور الجديد يرسي قواعد جديدة للتفاوض مع إيران. وهو يعني أننا خرجنا من إطار حوار فرنسي ـ إيراني على مستوى ثنائي حول لبنان، وبتنا أمام معادلة جديدة غير معادلة المبادرة الفرنسية التي انتهت”.

ويضيف، “إذا جاز التشبيه نسبياً، كما في المفاوضات حول النووي الإيراني هناك 5 زائد واحد، بالنسبة للمسألة اللبنانية هناك اليوم 3 مقابل واحد”، مشدداً على أنه “بات هناك نص دولي عربي واضح يحدِّد إطار التحرك تجاه لبنان، وعلى الجميع الاستعداد لمرحلة جديدة”.​