أثارت وفاة رجل الدين المصري المؤثر، يوسف القرضاوي الذي كان يقيم في قطر في 26 سبتمبر/أيلول، ردود فعل متباينة في الدول العربية والإسلامية، لا سيما مصر.
فقد نعى أنصار جماعة الإخوان المسلمين رجل الدين البارز ذاكرين تكريسه حياته لـ”خدمة الإسلام والدفاع عن وطنه”.
أما منتقدو القرضاوي فقالوا إن الشيخ اتخذ مواقف مناوئة لمصر.
ونعى الآلاف من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الدول العربية والإسلامية، خاصة أنصار جماعة الإخوان المسلمين، رجل الدين السني البارز، وتبادلوا هاشتاغاً عربياً شائعاً يحمل اسم القرضاوي.
وانتقدت بعض وسائل الإعلام والناشطين المواليين للحكومة القرضاوي بسبب مواقفه وبعض فتاواه، خاصة تلك المتعلقة باستخدام العنف.
وتوفي القرضاوي الذي ولد في مصر عن عمر يناهز 96 عاماً.
وكان قد حصل على الجنسية القطرية، ويعد الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين، التي حظرت في مصر عام 2013.
وكان أيضاً المؤسس والرئيس السابق للاتحاد الدولي لعلماء المسلمين.
واعتقلت السلطات المصرية ابنته علا وزوجها في يوليو 2017، ثم أمرت بالإفراج عنها في ديسمبر 2021 ولا تزال “تحقيقات جارية” معها بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية.
“مدافع” و “خادم“ للإسلام
تحدثت قناة الجزيرة الفضائية القطرية عن وفاة القرضاوي وأجرت مقابلات مع العديد من المحللين الذين أشادوا بشدة بعمله وأفكاره الدينية.
واستذكر مقدم القناة مسيرته ووصفه بأنه من “أبرز رجال الدين الإسلامي وأعلمهم في العصر الحالي”.
وأشاد نائب رئيس الاتحاد الدولي للدراسات الإسلامية، عصام البشير، بالقرضاوي ووصفه بأنه “رائد التوجهات المعتدلة” في الفقه الإسلامي.
وأشارت الجزيرة في تعليقها إلى أنه ألف أكثر من 170 كتاباً تناولت القرآن والتعاليم الإسلامية.
وعبر حزب النهضة التونسي عن حزنه على وفاة القرضاوي، قائلاً إنه “عالم كرس حياته لشرح تعاليم الإسلام والدفاع عن وطنه للتأكيد على مبدأ الاعتدال في هذا الدين العظيم”.
ونعى عبد الله الشريف، المعارض الموالي للإخوان المسلمين، القرضاوي في تغريدة لـ 1. 8 مليون مستخدم لحسابه، منتقدا بشدة “كل محاولات التشويه والقمع” له خلال حياته.
وقال الناشط المعارض خالد السرتي إن الشيخ القرضاوي توفي “دون أن يترك وراءه فتوى واحدة فيها نفاق للسلطان”.
مواقف “مناهضة“ لمصر
نشر موقع القاهرة 24 الخاص على شبكة الإنترنت عدة تقارير على فيسبوك تشير إلى “مواقف (القرضاوي) الأكثر عدائية ضد مصر لأنه حرض على قتل جنود”.
وجاء في تقرير آخر أنه في أحد مواقفه الرئيسية كان “ضالعاً في التجسس لصالح حماس”.
وأشار مجدي خليل، وهو قبطي مصري يرأس منتدى الحرية في الشرق الأوسط، في منشور على فيسبوك إلى “الانقسام بين المسلمين” على رجل الدين السني، إذ وصفته جماعة بأنه عالم واسع الاطلاع ورجل دين معتدل … بينما رأت جماعة أخرى فيه مفتي الدمار والقتل والتفجيرات الانتحارية”.
وانتقد إبراهيم الجارحي القرضاوي بسبب “فتوى مدعاة بضرورة محاربة الجيش المصري”.
وتساءل شريف صالح كيف يقع رجال دين مثل القرضاوي يتمتعون “بمعرفة وفهم عميقين في فخ تنظيمات إسلامية هزلية ودموية”.
وقال محمد مرعي إن القرضاوي سيحاسب أمام الله على “ما اقترفه هو وجماعته الإرهابية حيال الأمة العربية من خلال نشر النزاعات وتقنين التفجيرات والتدمير وإسقاط الدول والمجتمعات”.
وأضاف: “لن ننسى تحريضه على القتل في سوريا، وليبيا وحتى مصر، ولن ننسى خطبته ودعوته حلف شمال الأطلسي إلى التدخل لتدمير ليبيا”.
نشأته وتعليمه ومواقفه
ولد القرضاوي في 9 سبتمبر/ أيلول 1926 في قرية صفت تراب مركز المحلة الكبرى، في محافظة الغربية بمصر.
تخرج من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1953 قبل أن يواصل تعليمه في الدراسات العليا في الجامعة ويحصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه.
عمل القرضاوي فترة بالخطابة والتدريس في المساجد، ثم أصبح مشرفاً على معهد الأئمة التابع لوزارة الأوقاف في مصر، بحسب سيرته الذاتية المنشورة على موقعه.
ونقل بعد ذلك إلى الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر للإشراف على مطبوعاتها والعمل بالمكتب الفني لإدارة الدعوة والإرشاد.
وفي ستينيات القرن الماضي أعير إلى دولة قطر، التي عاش فيها وحمل جنسيتها، حيث عمل عميداً لمعهدها الديني الثانوي، ثم أسس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة قطر وترأسه، وأصبح المدير المؤسس لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية في الجامعة نفسها.
وقد انشغل القرضاوي بالكتابة والتأليف إلى جانب عمله الدعوي، فألف عشرات الكتب التي تتناول جوانب مختلفة من الثقافة الإسلامية، والتي يصنفها مفكرون بأنها محاولات حثيثة لتجديد الخطاب الديني.
وأثار القرضاوي في حياته الكثير من الجدل بسبب مواقفه الداعمة لعدد من الانتفاضات الشعبية التي شهدتها المنطقة العربية في ما عرف بالربيع العربي.
وبينما رأى فيه البعض مناصراً لقضايا التحرر اعتبره فريق آخر مؤيداً للجماعات الدينية المتطرفة.
وكان القرضاوي قد أدان هجمات 11 سبتمبر وتفجيرات بالي، وانتقد تحطيم حركة طالبان تماثيل بوذا في أفغانستان.
كما ندد بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وأفتى بوجوب مقاومة الجنود الأمريكيين.
وأفتى بتحريم زيارة القدس وهي تحت الاحتلال، وهي الفتوى التي انتقدها مقدسيون، واعتبرتها السلطة الفلسطينية تتوافق مع الخطة الإسرائيلية لتهويد القدس، وطالبت القرضاوي بالتراجع عنها.
ومنع القرضاوي من دخول الولايات المتحدة وبريطانيا بسبب تأييده للعمليات الانتحارية التي تستهدف جنودا إسرائيليين، والتي وصفها بـ “عمليات استشهادية”.
وكانت دعوته لقتل معمّر القذافي خلال الثورة التي اندلعت ضده عام 2011، محل كثير من الانتقادات، إذ كان كثيرون ينادون بالقبض عليه ومحاكمته.
وتعرض القرضاوي للسجن في مصر أكثر من مرة بسبب اتهامات بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، التي صنفتها مصر جماعة محظورة في عدة مراحل.
وعاد إلى مصر لبعض الوقت عام 2011، وكان أحد أبرز وجوه الانتفاضة الشعبية في يناير عام 2011، التي أطاحت بحكم الرئيس حسني مبارك، وألقى العديد من خطب أيام الجمعة في ميدان التحرير وسط القاهرة في تلك الفترة.
وتتّهم السلطات المصرية القرضاوي بأنّه الزعيم الروحي لجماعة الاخوان المسلمين المحظورة في مصر منذ عام 2013 بعدما أطاح الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما كان قائداً للجيش في تموز/يوليو من ذلك العام، بالرئيس المنتمي للجماعة محمد مرسي.
وفي 2015، أكدت محكمة جنايات القاهرة حكم الإعدام بحق الرئيس الإسلامي السابق محمد مرسي في القضية المعروفة إعلامياً باسم “اقتحام السجون”.
وحوكم في القضية 129 متهماً بينهم 27 كانوا موقوفين و102 هاربين بينهم أعضاء في حركة حماس الفلسطينية وفي حزب الله اللبناني. وقضت المحكمة غيابيا بإعدام أكثر من 90 من المتهمين الهاربين بينهم القرضاوي.
وفي العام ذاته، أحالت النيابة العامة المصرية 38 إسلاميا، بينهم القرضاوي، إلى محكمة عسكرية، متهمة إياهم بإنشاء خلايا مسلحة قتلت ضابط شرطة. وحوكم القرضاوي غيابياً.
وأصدر الانتربول مذكرة توقيف بحقه عام 2014 بطلب من مصر، قبل أن تلغى المذكرة بعدها بـ 4 أعوام.
وتقلد القرضاوي عدة مناصب دينية كان أبرزها رئاسة “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، الذي شارك في تأسيسه عام 2004، وقد وضعته السعودية ودول خليجية وعربية أخرى على لائحة تضم شخصيات وصفت بأنها “إرهابية”.
وكان وجوده في قطر أحد أسباب مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر للدوحة لعدة سنوات.
وأصدر يوسف القرضاوي فتاوى كثيرة تشمل مختلف مناحي الحياة، وكان بعضها مثيراً للجدل، وقد كان ضيفا دائماً على أحد البرامج الدينية بقناة الجزيرة القطرية.
التعليقات