التخطي إلى المحتوى

يستمر المغرب في مساعيه لاسترجاع باقي أرشيفه من الحقبة الاستعمارية، المتواجد بالخارج، الذي تقدره الحكومة بعشرين مليون وثيقة، وذلك بعدما نجحت في الحصول على 4 ملايين، خلال السنوات الأخيرة.

واستعادت الرباط ضمن برنامج “استرجاع الأرشيف الوطني”، الذي أطلقته سنة 2008، أكثر من 3 ملايين و952 ألف وثيقة، تعود لفترة الاستعمار الفرنسي والإسباني، حسبما أعلنت عنه الحكومة المغربية في المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية لسنة 2023.

وتتعلق الوثائق المسترجعة أساسا بمراسلات وتقارير وصور وخرائط، تخص عددا من المدن المغربية التي وقعت تحت الاستعمار الفرنسي بين سنتي 1912 و1954، وفق ما أكده مدير مؤسسة أرشيف المغرب جامع بيضا.

ويكشف بيضا، وهو مؤرخ بالأساس، أن بلاده حصلت خلال السنوات الأخيرة، على النسخ المرقمنة لبعض الوثائق التي تخصه، من فرنسا وإسبانيا، بالإضافة إلى دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأميركية والبرتغال.

ويبرز جامع بيضا في تصريح للحرة، أن الوثائق المسترجعة، تخص مؤسسة أرشيف المغرب ومندوبية أعضاء جيش التحرير، التي تعنى بتاريخ المقاومة والكفاح ضد الاستعمار، وتتعلق أساسا بمراسلات وتقارير وصور وخرائط لمدن الرباط وطنجة والدار البيضاء وغيرها.

“سعي وراء الأرشيف”

واستحدث المغرب مؤسسة “الأرشيف” سنة 2007 كمؤسسة عمومية، أنيطت بها مهام صيانة تراث الأرشيف الوطني وجمع مصادر الأرشيف المتعلقة بالمغرب الموجودة في الخارج، ومعالجتها، وحفظها، وتيسير الاطلاع عليها.

ومنذ تأسيسها، عملت هذه المؤسسة على استرجاع آلاف الأصول الخاصة بالمغرب من الخارج، في هذا السياق يشدد مديرها، على أن هذه العملية “لم تكن سهلة، بل تتم بعد نقاش وسجالات كبيرة جدا”، لافتا إلى أن المؤسسة لا تتعامل مع الدول والحكومات فقط، بل أحيانا مع منظمات غير حكومية تمتلك وثائق خاصة.

ويوضح جامع بيضا، أن للمغرب كامل الحق في استرجاع هذه الوثائق، إما أصلية أو على الأقل مرقمنة، مشيرا إلى أن ما تم إنتاجه في المغرب ولو خلال المرحلة الاستعمارية، كان ينبغي أن يبقى في المغرب، وبما أنه يتقاسمه مع الدول الاستعمارية، فهي من ينبغي عليها المطالبة على نسخ منه، وليس العكس الحاصل اليوم.

ويورد أن منطلق عمل المؤسسة في الحصول على هذه المواد التاريخية، يتمثل في تقريبها من الباحثين والمتخصصين في التاريخ والصحفيين وعموم المواطنين الراغبين في الاطلاع على جوانب من هذه الفترة التي امتدت لـ42 عاما من تاريخ بلادهم. 

أرشيف الخطابي

ومن أهم الوثائق التي تطالب السلطات المغربية باستعادتها، أرشيف أحد أبرز المقاومين المغاربة، عبد الكريم الخطابي، الذي يوجد بحوزة السلطات الفرنسية.

ووجهت عدة مؤسسات مغربية قبل أشهر مراسلات في الموضوع إلى الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي .

بخصوص تطورات هذا الملف، يرى بيضا، أن فرنسا “تتعنت في تسليم أرشيف الخطابي” رغم المطالب المغربية، والفرنسية كذلك، حيث يدعم مؤرخون فرنسيون استعادة المملكة لهذه الوثائق، بحسب المتحدث.

ويضيف مدير “أرشيف المغرب”، أن المطالبة بهذه الأصول، يعود إلى الذكرى المئوية لمعركة أنوال بالريف، التي قادها الخطابي وهزم فيها الجيش الإسباني، مشيرا إلى أن باريس التي تبرر رفض تسليم باقي الوثائق بكون أن إدارتها الفرنسية هي التي أنتجتها خلال فترة الاستعمار، لا أعذار لها في قضية أرشيف الخطابي كونها مستندات خاصة حصلت عليها بعد أسره.

ويتابع المسؤول المغربي أن زملاءه الفرنسيين في الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي، يجيبون على المطالب المغربية بكون “الأمر خارج أيديهم”، وأن القرار بين يدي رئاسة الجمهورية.

ونفى المتحدث في جوابه على سؤال الحرة، أن تكون حساسية هذه الوثائق، وراء رفض فرنسا تسليمها، مشيرا إلى أنها ليست وثائق سرية، بل تتمثل طبيعة حساسيتها، بحسبه، في أن الجانب الفرنسي ينظر إلى أن إعادتها قد ترفع من المطالب المغربية لاستعادة وثائق أخرى.

ويورد المؤرخ المغربي، أن حل ملف الموروث الأرشيفي، أساسي لطي صفحة الاستعمار والتطلع إلى مستقبل أفضل، متمنيا أن يجد السياسيون الحكماء من الطرفين حلا وسطا لهذا الموضوع.

وفي السياق ذاته، يبدي بيضا تحفظه على الأرقام التي كشفتها الحكومة بشأن وجود 20 مليون وثيقة بالخارج، قائلا: “لا أعرف مصدر هذه الأرقام ولا أعلق عليها”، ويضيف قد تكون أكثر أو أقل، ولن يتم الحسم في عددها ما لم يتوصل المغرب إلى اتفاقات مع حكومات الدول المعنية.

وحول ما إن كانت للمغرب أولويات في وثائق يرغب في استعادتها خلال الفترة المقبلة، يقول المسؤول المغربي: “لا توجد. كل الأرشيف الخاص بالمغرب مهم، وأحيانا وثيقة صغيرة حجما قد لا تبدو مهمة لعموم الناس، لكن قد تغير النظرة إلى أحداث تاريخية كبرى”.